يوضح الكاتب في ميدل إيست مونيتور، بيتر رودجيرز، أنّ ما يجري في غزة ليس أزمة إنسانية عابرة بل سياسة عسكرية مُحكمة تحوّل الغذاء إلى أداة حرب. الجوع لم يعد نتيجة عرضية للصراع، بل أصبح سلاحًا يُستخدم لإذلال الناس وإخضاعهم عبر تدمير أنظمة الغذاء، ومنع الوصول إلى الموارد الأساسية، وخلق تبعية مطلقة للمساعدات الخارجية. هذه الإستراتيجية، ذات الأبعاد السياسية والديموغرافية، لا تنتهك فقط القانون الدولي، بل تسعى إلى محو إرادة الفلسطينيين وتحويل بقاءهم اليومي إلى معركة قاسية للبقاء على قيد الحياة.

ويشير ميدل إيست مونيتور إلى أنّ استهداف البنية التحتية الزراعية دمّر أساس الاكتفاء الذاتي الغذائي في غزة؛ إذ أُتلف أكثر من 95% من الأراضي الزراعية، وقُصفت المزارع، وفُككت أنظمة الري، ومنع الصيادون من البحر، وحُظر وصول البذور. الهدف لا يقتصر على تدمير القدرة الإنتاجية، بل فصل الناس عن مصادر الغذاء المستقلة لفرض تبعية تامة للمساعدات التي تُستغل كسلاح سياسي. بذلك، تحوّلت غزة إلى مختبر لسياسات التجويع، حيث يُوظف الطعام ليس كقوت بل كأداة إذلال وتطويع.

وتُبرز المقالة أنّ إسرائيل تستخدم الطعام كورقة تفاوضية، إذ يُربط وصول الطحين أو حليب الأطفال أو مياه الشرب بمخرجات سياسية وأمنية. يتحول الحق الإنساني الأساسي إلى أداة ابتزاز، بينما تُهاجم قوافل الإغاثة وتُعرقل عمليات توزيع الغذاء بذريعة الأمن. هذه السياسة تخلق فوضى مقصودة عند نقاط التوزيع، حيث يخاطر المدنيون بحياتهم للحصول على رغيف خبز، في مشاهد ليست عرضية بل نتيجة مقصودة لسياسة تسعى إلى كسر المجتمع الفلسطيني.

وتوضح المقالة أنّ استخدام التجويع كسلاح حرب يمثل خرقًا صارخًا للقانون الدولي، ولا سيما اتفاقيات جنيف التي تحظر تجويع المدنيين. تقارير عديدة توثق تدمير متعمد للبنية المائية والغذائية، واستهداف مدنيين أثناء محاولتهم الحصول على الطعام، ومنع المساعدات الإنسانية من الوصول، ما يكشف عن نهج منظم لا يمكن اعتباره استثناءً. لكن الصمت الدولي، أو البيانات الغامضة التي تصف الوضع بأزمة إنسانية دون الإشارة إلى جذورها السياسية، أتاح لإسرائيل مواصلة هذه الممارسات بلا محاسبة. هذا التخاذل يعكس انهيارًا أخلاقيًا في النظام الدولي ويُرسل رسالة واضحة بأن انتهاكات غزة تمر بلا عقاب.

وتلفت المقالة إلى أن آثار التجويع تتجاوز الحاضر لتطال البنية الاجتماعية والجيلية في غزة. انعدام الأمن الغذائي الشامل يهدد صحة السكان الجسدية والنفسية، والأطفال أكثر عرضةً لسوء التغذية، ما يؤدي إلى وفيات متزايدة وأضرار لا رجعة فيها في النمو الجسدي والعقلي. هذا الجرح لن يقتصر على جيل واحد بل سيرافق المجتمع لعقود قادمة. وفي الوقت ذاته، يفتك الجوع بالنسيج الاجتماعي، إذ تفرّق معركة البقاء ما كان يجمعه الطعام من تقاليد وروابط عائلية، وهو ما يشكّل جزءًا من استراتيجية تهدف إلى إضعاف الصمود الفلسطيني عبر تفكيك دعائم المجتمع.

ومع ذلك، تبقى إرادة المقاومة قائمة، حيث يُظهر إصرار الناس على البقاء والصمود فشل المشروع الإسرائيلي في القضاء على روح الفلسطينيين. فالتجويع الذي يُراد به كسر العزيمة يتحول إلى شاهد على صلابة الإرادة.

ويؤكد الكاتب أن ما يجري ليس كارثة طبيعية بل نتاج عقيدة عسكرية متعمدة تهدف إلى السيطرة وتفكيك الهوية الفلسطينية. تدمير أنظمة الغذاء، والتحكم بالمساعدات، وخلق الاعتماد المطلق، كلها عناصر في حملة منظمة لإلحاق المعاناة وقمع المقاومة. هذه الأفعال غير شرعية، لكن التواطؤ الدولي أتاح استمرارها، ما يعكس فشلًا أخلاقيًا عالميًا.

ويختتم المقال بالتشديد على أنّ التاريخ لن يغفر هذه الجرائم ولن يبرئ الصمت العالمي. كسر هذه الحلقة يتطلب فعلًا دوليًا حاسمًا يضمن محاسبة إسرائيل ويعيد للفلسطينيين حقهم في السيادة الغذائية. أما الصمت اليوم، فيعني المشاركة في جريمة ستبقى شاهدًا على قسوة عالم سمح للتجويع أن يصبح سلاحًا ضد شعب محاصر.

https://www.middleeastmonitor.com/20250819-engineered-starvation-israels-roadmap-to-the-submission-of-gaza/